ميكانيكية ضربة الذراع في السباحة الحرة:
بقيت وإلى فترة متأخرة من القرن الماضي النظريات السائدة في ضربة الذراع في السباحة الحرة تقدم على قانون نيوتن الثالث (لكل فعل رد فعل يساويه بالمقدار ويعاكسه بالاتجاه)، أي أن يأخذ كمية من الماء من الأمام ويحولها إلى الخلف كما يعمل المجداف في الزورق أو الرفاس في الدواليب التي تعمل في الماء.

أو بثني الذراع بعض الشئ من مفصل المرفق والسحب من الأمام إلى الخلف و بنفس الكمية من الماء وبهذا يتقدم الجسم إلى الأمام اعتمادا على قانون نيوتن الثالث أنف الذكر.

حتى جاء السباح الاولمبي مارك سبتز Mark. Spitz والذي حقق سبعة ميداليات ذهبية في اولمبيات ميونخ وفي بداية الربع الأخير من القرن الماضي ليغير الموازين في ميكانيكية حركة الذراع وليعطي السباحة طعما أخر وأوسع وأسرع مما كانت عليه في الماضي.... فلقد قام العالم (كونسلمان Counsilman) بتحليل متكامل لحركات السباح (مارك سبتز) من خلال تصوريه من الأمام ومن الخلف ومن الجانب فوجد أن النقطة التي تخرج منها الذراع تبتعد بمسافة عن نقطة دخول الذراع وهذه الزيادة في المسافة حيرت العلماء لأنه وحسب قانون نيوتن أن تتساوى قوتي الفعل و رد الفعل، فمن أين أتت هذه المسافة الزائدة ؟

وبعد استعراض للمخططات التحليلية للصور الجانبية والأمامية ومن الأسفل اكتشف بأن الحركات التي كان يقوم بها السباح (سبتز) في الذراع هي حركات قوسية أو شبه دائرية وليست حركات مستقيمة لأخذ كمية صغيرة من الماء ونقلها إلى الخلف فجاء بنظرية جديدة تقوم على أساس أن على السباح أن ينقل اكبر كمية من الماء ولو لمسافة قصيرة وعن طريق الحركات القوسية .

أما عن الحركات القوسية للذراع والتي تكون في جميع حركات السباحة المختلفة و ليست في السباحة الحرة فقط ، فقد جاءت أيضا عن طريق (كونسلمان) حيث أثبت أن مروحة الزورق البخاري لا تقوم على أساس نقل من و إلى بل تقوم على أساس تسليط الضغوط الصحيحة على الزوايا الصحيحة لريش المروحة و بذلك تكون حركة الزوارق البخارية أسرع بكثير من الزوارق ذات المجداف إضافة طبعا إلى حركة المروحة الميكانيكية من خلال الماكنة، فقام بتشبيه الذراع بحركة المروحة خاصة و أن الكف يجب أن يتحرك باتجاهات مختلفة و طبقا لحركات الذراع داخل الماء فتقوم الضغوط الصحيحة للماء في التسلط على الزوايا الصحيحة للكف و التي تعمل عمل الريشة في المروحة. و هذا ما يعمل على الرفع و الرفع في السباحة يعني الدفع إلى الأمام و حسب اتجاه الكف .

أعزاCounsilman سبب ذلك إلى أن السباحون يحركوا أذرعهم بهذه الطريقة لكي يدفعوا اكبر كمية من الماء إلى الخلف خلال هذه المسافة. نتج عن هذا ما يشبه الحرف (S) بالإنكليزية تحت و بجانب أجسامهم و التي أطلق عليها (نظرية عمل التموج للخلف) Theory of weaving back والرسم التوضيحي هذا يؤشر إلى أن (Mark Spitz) يحقق قمتين في التعجيل، في الضربة الواحدة ،الأولى بسرعة 10قدم/ثانية والثانية بحدود 3قدم/ثانية. من خلال هذا التموج نسبة إلى بطل اولمبي أخر في هذا المجال هو (John Kinsella).

إن السبب المنطقي وراء عمل الذراع القوسي و على شكل (S) و ترك سحب اليد باستقامة للخلف يكمن في الجهد الكبير الذي يقوم به السباح لتعجيل الماء الساكن منذ لحظة سحبه إلى وبقدر صغير في الوقت الذي تقوم الذراع بالحركة القوسية و بشكل عملي بملئ الكف بالماء ضد الزخم و بالاتجاه الخلفي حيث أن السباحين لا يستطيعون الاستمرار بالدفع إلى الخلف بنفس القوة إلا إذا عجلوا من سرعة الذراع أكثر من سرعة اتجاه الماء إلى الخلف ، و انه عن طريق تغيير اتجاه أيديهم (درجة ميلان الكف) يمكن أن يربح السباحون الماهرون محيط مائي جديد أو غير مضطرب لكي يقوموا بعمل الدفع ضده مما يتيح للسباح ربح قوة دفع أكثر مع قوة عضلية اقل و ذلك عن طريق انسيابية الحركة للمجال الأكبر الذي يحدث عن طريق الحرف (S). (ويمثل الشكل الأتي حركة الذراع إثناء جميع مراحلها)

عندما تعمل قوى في الموائع اسمها السحب Drag سنأتي عليها لاحقا على إعاقة عمل أو حركة الأجسام في الموائع فأنه هناك قوى أخرى تعمل خلاف هذه القوى المعيقة اسمها قوى الرفع و التي تنشأ من خلال التدفق ألصفيحي للمائع ولنكن واضحين فأنها تنشأ من خلال التيارات المائية فيما يخص عمل السباح، و أن تسمية الرفع تعني من خلال التسمية أن العملية عمودية في حين إن واقع الحال يشير إلى إن الرفع يحصل في جميع الاتجاهات و خاصة إذا ما كان في اتجاه السباح فانه يعمل على الدفع إلى الأمام و هذا ما سنحاول الوصول إليه.
وأن عملية الرفع تتلخص بالاتي: عندما تقابل الصفيحة تدفق الموائع و هنا نعني بالصفيحة هي كف السباح أو ذراعه أو حتى قدمه أو ساقه للماء فأن الماء سينقسم إلى قسمين قسم يسير من أعلى الكف وقسم من أسفله وبما أن شكل الكف يكون محدبا و كذلك القدم، فأن كمية الماء التي تمر من فوق السطح المحدب تكون أسرع من التي تمر من الأسفل.
![]() | ![]() |
![]() | ![]() |
واستنادا إلى نظرية برنو لي للطيران وهو العالم السويدي الذي يعتبر أول من عرف العلاقة العكسية بين سرعة جريان السائل والضغط. والتي تتلخص بأن الضغط ينخفض عندما يتدفق السائل أو الماء أو الهواء بسرعة بينما يرتفع الضغط عندما يكون تدفق السائل ببطء، وهذه هي النظرية في ارتفاع الطائرات عبر أجنحتها والتي هي نتاج لقوة الرفع، وكلما ازداد التدفق كلما ازداد الرفع حيث نرى أن الطائرات إثناء إقلاعها تسير بمواجه الرياح وليس بعكسها.

وهناك أسباب أخرى تعمل على زيادة الرفع منها سرعة الجسم وكثافة الموائع وشكل الجسم وحجم الأجسام العاملة في الموائع أي حجم الكف والقدم والساق، وحجم المائع الذي يعمل فيه الجسم (كبر مساحة العمل) إذ كلما صغرت مساحه العمل كان كان الرفع أفضل كذلك بعد وقرب أجزاء الجسم العاملة من سطح المائع ومن محور الجسم إذ كلما اقتربت هذه الأجزاء من ما ذكر كان الرفع اكبر.


وقد يولد الجذف السريع للكف في حصول الجسم على قوة كبيرة للرفع وهذا ما نشهده في حركات سباحات البالية المائية Synchronized swimming إذ تستطيع السباحات من رفع أكثر من ثلثي أجسامهم خارج الماء بشكل عمودي عن طريق هذا الجذف السريع وتوليد هذه القوة العظيمة في الرفع.
لقد ذكرنا في بداية موضوعنا أن الرفع يحدث من خلال العمليات الحركية للكف و هذا ما عرفناه بالرفع ألصفيحي (أي الذي يعتمد على تيارات الماء المضادة لحركة السباح) إما الرفع الذي يحدث من خلال العمليات الحركية للقدمين والرجلين فيسمى (برفع حلقة الرفس) فأن التغير المفاجئ للاتجاه من الأعلى إلى الأسفل (سباحة الفراشة مثلا) يسبب ابتعاد الطبقة المتاخمة من الماء خلال هذه الحركات السريعة و عندما يحدث هذا فقد تتكون حالة من التدفق غير المستقر يعمل على خلق اختلاف في الضغط بين الجزء الذي تحت الساقين (والذي يكون الضغط عاليا) وبين أعلى الساقين (والذي يكون الضغط اقل شدة) والنتيجة هي فصل الهواء عن كمية الماء المتاخمة حول القدمين تقوم على فصل الماء المتاخم إلى الخلف بسرعة وإن هذا الماء المتجه إلى الخلف وبسرعة يخلق بالمقابل قوة معاكسة تدفع السباح إلى الأمام.


إن هذه الزاوية قد ترجمها المصريون بزاوية الهجوم وبما إن كلمة Attack لا تعني الهجوم فقط بل تعني الشروع بالعمل أو البدء به ولان عمل هذه الزاوية ليس له أية علاقة بالهجوم فأن تسميتها بالشروع هو الأصح والأدق. وهي الزاوية المحصورة بين الخط الأفقي لمحور الجسم وبين اتجاه تدفق المذاب.
يعمل الكف في السباحة اثناء حركته داخل الماء وفي أنواع السباحة الأربعة في اتجاهات مختلفة مما يحدو بمرور الماء عبر تياراته المختلفة خلال سطح الكف العلوي والسفلي إلى عمل هذه الزاوية وبدرجات متباينة وتجدر الإشارة هنا إلى إن زاوية الشروع يجب إن تكون لها حافة أمامية فيمكن أن تكون الحافة الأمامية أو القائدة هي رؤوس الأصابع أو الرسغ جهة الإبهام أو جهة الإصبع الصغير في أوقات متباينة خلال ضربات الذراع تحت الماء لأنواع السباحة الأربعة وقد يعمل المرفق كحافة قائدة و يعمل كوحدة واحده مع اليد (الكف) والذراع.

تمتك زاوية الشروع أهمية عالية جدا في إنتاج قوة الرفع، كما يجب أن نعرف بأن كمية الرفع قد تنخفض إذا كانت هذه الزاوية كبيرة أو صغيرة جدا. وأن جميع المعلومات التي تم الحصول عليها من خلال دراسة الأشكال الصفيحية والتي تم تعليقها في مجاري هوائية دعمت هذه النظرية.

أن السلوك في الموائع أو المذابات هو واحد، فكما هو الحال في الماء هو في الهواء وأن تأثير هذه الزوايا يكون متشابها في كثير من الحركات الرياضية المختلفة مع الفارق في الأشكال والحجوم وهذا ما يظهر جليا في رمي القرص والرمح و كذلك في القفز الطويل والمرتفع على الجليد. فالعلاقة السلوكية الأساسية في الموائع واحدة. ويذكر احد التقارير بأن ابعد مسافة لرامي قرص حصلت عندما كانت سرعة القرص هي 24م/ثا وبزاوية شروع هي 10 درجات فقط، وهذا وكما ذكرنا سابقا يعتمد على شكل الجسم وسرعته وسرعة الريح وحجم الصفيحة.


عندما نتأمل منحني الرفع نجد أن كمية الرفع تزداد مع زيادة زاوية الشروع حتى تصل إلى 40 درجة. بعد ذلك تنخفض قوة الرفع بصورة تدريجية كلما ازدادت هذه الزاوية حتى تصل إلى زاوية 90 درجة حتى تختفي هذه القوة كليا عندما تكون زاوية الشروع زاوية قائمه.
وعندما نطبق هذه الزوايا على كف السباح أثناء العمل في الماء وخاصة في سباحة الفراشة عندما تجرف الكفان الماء تحت الجسم عند منتصف الضربة نرى ان الكف تتحرك بزوايا مختلفة حيث يبدأ الرفع العمل ابتداء من زاوية الشروع صفر ثم الزاوية 40 ثم 70 ثم تنتهي بدرجة 90 العمودية.
ومن خلال ما تقدم نجد إن الزاوية صفر هي اقل زاوية شروع تعمل على خلق قوة الرفع و ذلك بسبب إن الماء يمر من فوق كف اليد بقوة تقارب مرورها من راحة اليد مما يؤدي إلى خلق قوة ضعيفة جدا في دفع السباح إلى الأمام. وكذلك الحال عندما تكون زاوية الشروع هي 90 درجة وخاصة عندما تصل الكف إلى منتصف عملها تحت الجسم باعتقاد خاطئ من السباح بأنه يدفع الماء إلى الخلف في الوقت الذي يجب أن يعرف بأنه يدفع الماء بحافة الإبهام فقط باعتبار أن الإبهام يمثل الحافة الأمامية للصفيحة في عملها في خلق قوة الرفع.
تزداد قوة الرفع كثيرا عندما تقترب زاوية الشروع من 40 درجة. وهذا بسبب ان الكمية الكبيرة من القوة باتجاه الخلف انتقلت إلى الماء عند مرور راحة يد السباح من الحافة القائدة (جهة الإبهام) إلى الحافة الخلفية (جهة الإصبع الصغير) فعند اندفاع الماء إلى الأسفل بفترة زمنية قصيرة أثناء مروره تحت راحة اليد يحدث تصادم جزيئات تيارات الماء مما يؤدي إلى زيادة الضغط تحت راحة اليد و انخفاضه فوق ظهرها و الذي يؤدي بدوره إلى إنتاج قوة رفع كبيرة تعمل عموديا على الاتجاه الذي تتحرك فيه اليد. وعليه فعلى السباح إن يختار زاوية الشروع المناسبة لإنتاج قوة الرفع أثناء سحب اليد تحت الجسم بما يعزز تلك القوة و التي تؤدي بالتالي إلى الاندفاع الأسرع باتجاه الأمام.
0 commentaires :
إرسال تعليق